ثم توفي وابنه هذا قد علق بصناعة قبى الحرير، فتعلق إذ ذاك بالطب فانقطع إليه، فجلس الى فقهاء طليطلة. ثم عاد الى وطنه فجد في طلبه، وأخذ عن القرشي وابن الأصبغ، وأبي عمر ابن القطان، ومن أدركه. فأعمل لحينه، ورسخ في مذهب مالك، واستظهر أم كتبهم المدونة، قبل في تصريفها، وله فيها مختصر حسن، فعضل، واحتيج إليه فشور مع شيوخه ودارت عليه معهم الفتوى حياته، وكتب لولد ابن زرب عند ولايته قضاء قرطبة، وكان له بالحساب والفرض واللسان والكلام والجدل والتفسير، وله في عقود أهل السنة والكلام عليها كتاب حسن. وبه وبابن عتاب، تفقه ابن سهل وغيره من القرطبيين. وكان كثير الجهاد والرباط مذكرًا للعامة يقرأ عليها كتب التفسير والرقائق، ولم تكن له كتب. سمعت شيخنا أبا إسحاق ابن جعفر الفقيه يحكي عن شيخه القاضي ابن سهل، قال: لم يكن عند ابن مالك من الكتب إلا فقه فيها معاني النحاس ومختصره في المدونة وأراه ذكر المستخرجة وأشياء من الكتب قليلة فكان إذا ذكر عنده المكثرون في الكتب وجمع الدواوين يقول: لا أدري هذه كتبي والله لأموتنّ وأنا أجهل الكثير مما فيها فماذا يصنع بالإكثار منها؟ أو نحو هذا من الكلام. وكان ابن سهل يعظمه ويستنبله كثيرًا ويفضله على غيره. قال بعض القرطبيين دخلت مع أبي مروان الزهراء مدينة الخلفاء بقرطبة الخراب فوقف متعجبًا ثم تناول فحمة فكتب بها على جدار:
بلدٌ ألمّ بها الخراب وزارها … فغدوت أنظر شاخصًا آثارها
فالدهر أفناها وغير حالها … وأباد منها صرفه عمارها
وإلهنا ذو العرش يحيي أهلها … يوم تحدّث الأرض أخبارها
وتوفي بقرطبة ليلة الثلاثاء الحادية عشرة من جمادى الأولى سنة ستين وأربعماية عام وفاة ابن القطان بشبه الفجأة. ذكر أهله أنه انصرف من صلاة