لك كتابًا حتى يكون مع كتابك إلي كتاب ابن غانم. فكان إبراهيم أكثر الناس مداراة وتعظيمًا له، وكان ابن غانم يلبس من الثياب أرفعها ويجعل لخصومات النساء يومًا يجلس فيه للنظر بينهن، فيلبس يومئذ الفرو الخشن وخلق الثياب، وينظر ببصره إلى الأرض فلا يشك من لا يعرفه أنه أعمى، ويزيل الحجاب والكتاب عنه، وكان له حظ من صلاة الليل فإذا قضاها وجلس في التشهد آخرها عرض كل خصم يريد أن يحكم له، على ربه، يقول في مناجاته: يا رب فلان منازع
فلانًا وادعى عليه بكذا فأنكر داعوه فسألته البينة فأتى ببينة شهدت بما ادعى، ثم سألته تزكيتها فأتاني بمن زكاهم وسألت عنهم في السر فذكر يعني خيرًا، وقد أشرفت أن آخذ له من صاحبه حقه الذي تبين لي أنه حق له، فإن كنت على صواب فثبتني وإن كنت على غير صواب فاصرفني، اللهم لا تسلمني. اللهم سلمني. فلا يزال يعرض الخصوم على ربه حتى يفرغ منهم. وابن غانم هذا هو الذي أوقف الأحمية التي كانت بمراسي أفريقية، لمرافق المرابطين. وكان ابن غانم إذا جلس رمى إليه الخصوم الشقاف فيها قصههم مكتوبة، فوجد يومًا شقفة فيها قصة النخاسين البغال فدعاهم، فأخبروه أن أبا هارون مولى إبراهيم بن الأغلب الأكبر صاحب أمره ابتاع منهم بغالًا بخمسمائة دينار، ولم يدفع لهم شيئًا. فضم ديوانه ونهض إلى إبراهيم، وكان قد أباح له الدخول عليه دون أذن، فكان القاضي إذا أتى تنحنح فإذا قيل له ادخل، دخل. ففعل كعادته، فسأله إبراهيم ما وصيته، فذكر له شأن المتظلمين.
فأحضر أبا هارون فاعترف وقال حتى يجيء الخراج وقد بعثت في طلبه. فقال ابن غانم: لا أبرح حتى تدفع إليهم أموالهم. فما برح حتى دفعت إليهم. ودعا الأمير إبراهيم ابن الأغلب ابن غانم يومًا فقرأ عليه كتاب الرشيد يأمره بإحضار رجل يقال له حاتم الإبزاري، ويقول إن لفرج مولى أمير المؤمنين عليه عشرة