وقيل له كيف أصبحت؟ فقال كيف اصبح من يطلبه الله بالقرآن والنبي ﷺ بالسنة، والحفظة بما ينطق، والشيطان بالمعاصي، والدهر بصروفه، والنفس بشهواتها، والعيال بالقوت، وملك الموت يقبض روحه، وقال: أحسن الاحجاج ما اشرقت معانيه، وأحكمت مبانيه، وابتهجت له قلوب سامعيه وقال: الطبع أرض والعلم بذر، ولا يكون العلم إلا بالطلب، فغذا كان الطبع قابلًا زكا مربع العلم وتفرعت معانيه. وقال العلم جهل عند أهل الجهل، كما أن الجهل جهل عند أهل العلم. وأنشد فيه:
ومنزل السفيه من الفقيه … كمنزلة الفقيه من السفيه
فهذا زاهد في قرب هذا … وهذا فيه زهد منه فيه
واستعار الشافعي من محمد بن الحسن كتبه فمنعه إياها. فكتب إليه:
قل للذي لم تر عينا … من رآه مثله
العلم يأبى أهله … أن يمنعوه أهله
لعله يبذله … لأهله لعله؟
فأجابه محمد بن الحسن عن ذلك وكان الشافعي كثيرًا ما ينشد:
أهين لهم نفسي لأكرمها بهم … ولن يكرم النفس الذي لا يهنيها
يريد لمن يطلب العلم عنده. وقال المزني سمعت الشافعي يقول: ذكر رجل رجلًا فقال: أما والله لقد كان يملأ العيون جمالًا، والآذان بيانًا. فقال له رجل: أعد رحمك الله، فقال: أعيده والله عليك بلا تهاتر مني، ولا إبكات ولا تزكية له.