وإنه كان يلبس الى جسمه مسح شعر، تواضعًا. وكان صوامًا قوامًا. قال: وعذلته على مأخذه على قلة ماله. فقال لي: قيل لأبي حازم، ما مالك؟ قال: مالان: القناعة بما في يدي، واليأس مما في أيدي الناس. وأنا أقول: لي مالان غنائي في ظاهر أمري، وقصدي خاصة نفسي. قال غيره: أكثر فقهاء الأندلس وشعرائهم، فعن عبد الله أخذوا، وعن مجلسه نهض. قال المغامي: لو رأيت ما كان على باب ابن حبيب، لازدريت غيره. ذكر الزبيدي أنه نعي الى سحنون، فاسترجع وقال: مات عالم الأندلس، بل والله عالم الدنيا. وهذا يرد ما روي عنه من خلاف هذا. وذكره الشيرازي فقال فيه: فقيه الأندلس. وذكره أيضًا ابن الفرضي في كتابه المؤلف في طبقات الأدباء فجعله صدرًا فيهم. وقال: كان قد جمع الى إمامته في الفقه والتنجيح في الأدب، والتفنن فيه في ضروب العلوم. وكان فقيهًا مفتيًا نحويًا لغويًا، نسّابة إخباريًا عروضيًا فائقًا. شاعرًا محسنًا مرسلًا حاذقًا. مؤلفًا متفننًا. ذكر بعض المشيخة، أنه لما دنا من مصر، في رحلته أصاب جماعة من العلماء بارزين لتلقي الرفقة على عادتهم، فكلما أطل عليهم رجل له هيبة ومنظر، رجحوا الظن به، وقضوا بفراستهم عليه، حتى رأوه، وكان ذا منظر جميل، فقال قوم: هذا فقيه. وقال آخرون: شاعر. وقال آخرون: طبيب. وقال آخرون: خطيب. فلما كثر اختلافهم تقدموا نحوه، وأخبروه باختلافهم فيه، وسألوه عن ما هو؟ فقال لهم: كلهم قد أصاب. وجميع ما قررتم أحسنه، والخبرة تكشف الحيرة والامتحان يجلي عن الإنسان، فلما حطّ رحله ولقي الناس شاع خبره. فقصد إليه كل ذي علم يسأله عن فنّه، وهو يجيبه جواب متحقق. فعجبوا من ثبوت علمه، وقصدته طائفة من المتفقهة، وقد أعدوا له مسائل من الحجج، لا زالوا يقتنصون بها متفقهة