للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنت على صغرك. وبقي باهتًا حينًا طويلًا. ثم استرخى وسقط مغشيًا عليه. فصادف رأسه الحائط، فجرحه. فحمل وهو على حاله. وذكر أنه قدم الى القيروان، يوم جمعة. فعرض له وهو في صلاته شيء من فهم القرآن، استغرقه حتى خطب الإمام، وصلى. ولم يشعر. فسأله سحنون عن ذلك، فأخبره بما استغرقه. فقال له سحنون: وصلت، والله يا واصل. قال: وقصده رجل من أهل المشرق، سمع به. فقال له: أنت واصل. قال: نعم. قال له فرصتك من أين؟ قال بين الكاف والنون. قال: فأخبرني أنت ساكن في المسجد، وليس لك ماء، ولا غيره. فإذا طبخ المرابطون قدورهم، ودخلوا بها بيوتهم، وسمعت حسًا على الداموس، تستشرف نفسك الى من يأتيك بما تأكل؟ فقال واصل: ما لنا عند أحد شيئًا، ننتظره يجيئنا به. فقال: أنت واصل حقًا. وذكر أن واصلًا كان قبل أن يتعبد، يتجر في حانوت بما يوزن، ويكال. فجاءته امرأته فساومته في شيء فخالفها فيه. فقالت له كفاك ما أنت فيه، من مكيال وميزان. فقال لها صدقتني. وترك جميع ما كان فيه. ولزم قصر الرباط، قال أحمد بن أبي سليمان: قلت لواصل، بلغني أنك لم تشرب الماء دهرًا. فقال لم أشربه ثمانية أشهر. ثم غلبتُ. وذلك أني كنت في البسبس والموز، والمرق. قلت له: فالخبز. كم لك لم تأكله. قال أكثر من عشرين سنة. فلما استغنيت عنه، تركته تأديبًا لنفسي. قلت له: بلغني أن إبليس كلمك. قال: لا. قلت له: فرأيته؟ قال: دخلت عليّ جارية من المسجد في حلي وصياغ، فقمت إليها بالعصا، فهربت.

فاتبعتها الى باب القصر فوجدت القصر مسدودًا. فعلمت أنها إبليس.

<<  <  ج: ص:  >  >>