للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، حتى يظهر مني للأمير علم. ثم لن يفوت هذا، فكان بعد، يكذبه

ويخالفه. وكان أحد الأربعة من الفقهاء، الذين يدخلون في الشهادات، وغيرها، على الأمير بقرطبة. هو وابن مطروح. وكان قوالًا للحق، ناصحًا للأمير. سأله الأمير محمد مرة، عن مسائل من الورع، فقال له عبد الأعلى: هو أعود عليه من هذا. قال: وما هو؟ قال يطلب أهل الربض ويرد عليهم مصرياتهم، وما أخذ لهم، أو قيمته. فظهر على الأمير إنكار ذلك، وأمره بالقيام. قال ابن لبابة: كنت يومًا عند ابن وهب، في جنته، بقرب مقبرة قريش. وكان يعتمرها بيده، في نفر من الطلبة، يسمع عليه. إذ أُحضر غذاؤه. فقدمه إلينا فأكلنا معه. إذ استأذن عليهم هاشم بن عبد العزيز الوزير، فأذن له على تكره. ودخل، ونحن نأكل خبزًا، أدمه من بقل الجنة. فجلس، وجعل يداعب الشيخ لظرفه، والشيخ لا ينبسط. ويقول: أبا وهب أما تدعونا ليعامك؟ تخاف أن نلتهمه؟ فقال له: ليس من الأطعمة التي توافقك. قال: وإن لم تكن، فأنا أتبرّك به. ومد هاشم يده الى لقمة من الخبز، فغمسها في البقل، وجعل يلوكها ولا يسيغها. فلما فرّقنا، سأل الشيخ عن مسألة فقه، فأجابه الشيخ. وقام هاشم لينصرف. فتحركت لأقوم معه. فضرب الشيخ على يدي، وأجلسني حتى خرج. ثم قال لي: ما أردت؟ قلت إكرامه، في مجلسك. فقال بئس ما صنعت، إن كنت تطلب العلم لله. فأعزّه يعزّك الله. وإن كنت تطلبه للدنيا، فكن خادمًا من خدمة هؤلاء. فتُصْرف بين أيديهم، فهو أبقى لك عندهم، وأكسد لك عند ربك. فحافظت بعد ذلك على وصيته. وتوفي سنة إحدى وستين في صفر، منها. وقيل في ربيع الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>