أبي الأزهر. ما رأيت في المتعبدين مثله. وكان قد اعتلّ، فلم يبق في بدنه عضو، إلا معتلًا، سوى لسانه وعقله وبصره. فكان إخوانه يزورونه وهو ملقى على ظهره، ما يستطيع الجلوس. ولقد كان يأتيه جماعة من إخوانه بينهم اختلاف، رجاء أن يصلح بينهم. فيذكر كل واحد منهم لأقف على صحة جوابه، وفهمه. فربما جازت عليّ أشياء من أقاويلهم، لا أذكرها إلا بجوابهم. وكان مع ذلك قد أدرك الثمانين. وكان من الزّهاد المتعبدين المستجابين. دخل سوسة بألف مثقال، فأنفقها. وكانت له مروءة، وهو كان القائم
بأمر أبي جعفر العمودي، العابد، صاحبه. وذكر عنه أنه لقيه رجل يومًا، طالع الى السجن، وهو على عنقه كساء، وبيده طعام. فسأله فقال: حبس لي صديق اليوم، فأردت تأنيسه بالمبيت عنده. ولما اشتد مرضه، كان أبو جعفر العمودي، إذا سلّم من صلاته، يمضي وينظر إليه من الباب، ثم يرجع الى صلاته. فإذا سلّم عاد فنظر إليه. فوجده مرة في حالة النزع، وقد انقطع كلامه. فقال العمودي: الحمد لله رب العالمين. الآن قد طابت نفسي عليك. خلصت وبقيت أنا موحولًا. فلما سمعه الاريسي وهو لا يتكلم، أشار بيده الى حلقه، يريد أن نفسه لم تخرج بعد. ولما مات، وقف عليه فقال: خلصت ورويت عليك. لا يصل إليك سلطان ولا شيطان. وتركتنا بعدك موحولين، في بحر نسبح فيه لا ندري، نغرق أم ننجو. قال الخراط: رأى ثقة في منامه، كأن قائلًا يقول: إذا أردت أن تنظر الى أبي بكر الصديق، فانظر الى أبي جعفر السرداني. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين. وقيل أربع وعشرين وثلاثمائة.