عن نفسي. وأبو ميسرة ساكت. فلما رأت حاله، تركته وقالت: لا تغير المنكر إلا ومعك غيرك. فانصرف وهو يقول: لا تكثروا الروايات، فيدخل في فتياكم الذمامات. قال أبو الحسن بن خلاف: كان سبب التزام أبي ميسرة الدار، وشغله بالعلم، والعبادة، أنه قال: رمتني والدتي عند رجل من الرهادنة، ومعه صبيان. فكان يدفع إليهم سلع الناس، يبيعونها، ولا يعطيه هو شيئًا. فسأل بعض جيرانه عن سبب ذلك. فقال: لأنك تستقصي، وهؤلاء يبيعون ذلك منه من تحت يده. فيبيعونه. فتركته، وجلست في البركة. فباعوا رأسًا، فشرطوا به عيوبً. فلم يقبله
المشتري. فلما كان ذلك آخر النهار، باعوا ذلك من آخر. ولم يبينوا. فقلت لهم، غدوة ذكرتم به عيوبًا؟ فقال بعضهم لبعض: من أين جئتم لنا بهذا؟ وتركت البركة. وكنت في باب الغنم، فجاءني يومًا صاحب الموضع، فقال لي: اقرأ ما على فلان. فقلت: كذا. فقال لي: إن قال لك إنما هو كذا. فقلت: بل أقول عليك كذا. فقال: فإن قال لك كذا، بل امرأته طالق، ما عندي إلا كذا. ما تقول له؟ قلت: أقول له ما عندك إلا كذا. وأراد أن أحلف له بمثل ما حلف. فقال: دع الدفتر من يدك. فلزمت الدار. فبلغ أبو ميسرة من العبادة مبلغًا عظيمًا. وكان كثير التهجّد، والتلاوة، وقيام الليل، وصيام النهار، متواضعًا. تأكل خادمه معه، على مائدته. وكان إذا أكل، جعل مائدته في السقيف، حذاء الباب. فإذا أتى سائل، فتح الباب وأعطاه، لئلا يقيم الخادم، وهم يأكلون دونها. ولما ولي حماس، منع الناس من النداء في الأسواق، إلا من ثبتت عدالته، إلا أبا ميسرة، لثقته. وكان أبو ميسرة، مهاجرًا لحماس، بسبب مسألة الإيمان، لا يسلم عليه، ولا يرد عليه السلام. وكان يقول: