صار ضحكه كالبكاء. وكان قد ورث من أبيه مالًا وضيعة، وتبرأ من جميع ذلك، وتصدّق به. فقيل له في ذلك. فقال: حضرت معه وأنا صبي، ومعه شيوخ المنزل، فكتبوا أسماءهم في شقافٍ لضيافة الأعوان. وأخذ أبي شقفة. وقال للأعوان: هذا اسم فلان وضيافتكم اليوم عليه. فلم تطب نفسي، أن آكل من ميراثه حبة. وكان يقول إذا تكلم على مسألة من العلم: لو أدركني عيسى بن مسكين ما رضي مني بالسجن، حتى يقيّدني. وسأله رجل عن مسألة من الفقه، فقال: امضِ بها الى الفقهاء. فاسألهم، فلما خرج الرجل قال: ردوه. والله الذي لا إله إلا هو، لولا آية من كتاب الله تعالى، ما أجبتك، ثم أجابه. وكان إذا أعجبه شيء من أحوال بعض من يصحبه، قال له: والله لأسُرّنك في نفسك، فيقال له بماذا؟ فيقول: بحسن الثناء عليه، فقيل له: فأين الحديث، احثوا التراب في وجوه المدّاحين. فقال: قد قال ابن عباس: إنما ذلك، إذا مدح الرجل في وجهه، بما ليس فيه، وإلا فواجب مدح الرجل في وجهه، بما يجري من حسن أفعاله. وأتاه رجل ممن يلوذ بالسلطان، فلما رآه لفّ رأسه في تأزيره، واضطجع الى الأرض، فوقف عند رأسه، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام. فقال أيها الشيخ:
والله الذي لا إله إلا هو ما أعتقد إلا ما تعتقد. وما دخلت في هذه الدعوة. فأزال عن بعض وجهه، وقال: الآن رق لك قلبي. ويذكر أنه كان يضرب الطوب بيده، ويعده لغيره. فكان يسأل فيه، ويعطيه. فكثر عليه هذا، فبنى طوبًا وبنى منه في بيته، كالحدود. وكان يقيم بيته بالتبن، وينام فيه. فأتاه بنو أبي الحسن، فلما أخبر بهم، دخل الحدود وتغطى بعباءته. فدخل القوم فسلموا عليه، وسألوا عنه، فأشار خدامه، الى أنه راقد. فقال: سبحان الله، تكذب منظر القوم - لكراهته لقاءهم - فتقدموا إليه، وقالوا: والله