النصف حتى يصبح. قال أبو الحسن الزعفراني: كنت إذا رأيت أبا حفص علمت أنه من أهل الليل. قال أبو علي الورّاق: وكان أبو حفص من أهل العلم والورع، لا ينام إلا مغلوبًا. لم يكن في وقته مثله. فلما دخل بنو عبيد فرّ. فسكن المنستير. ولم يتخذ فيها بيتًا، مدة، وإنما كان يدفع كساه. عند رجل من سكان القصر. ولما اشتهر أمره، كان إذا تكاثر الناس بالقصر في الموسم، خرج الى سوسة. وكانت له بها زوجة. فيقيم بها. ويلبس ثيابًا حسانًا. ويتزيّا بزي التجار، ويتعمم، ويمشي بين الناس، ويخفي
بذلك نفسه. فلا يعرفه أحد بذلك الزي. فيطلبه الناس تبرّكًا بدعائه، فلا يجدونه، وهو بينهم بسوسة، ولا يعرفون أنه ذلك. فإذا انقضت أيام الموسم، رجع الى زيّه ومكانه. وكان مجاب الدعوة، ورأى ليلة القدر. قال بعضهم، قال وظهر لي إبليس. كم بالله، بالله. وكم بهذا الجد، والاجتهاد. فقلت له: أتراك يا عدو الله، ناجيًا من عذاب الله. إذا عذبت أنا، فانخسى مني. قال المالكي: كان ممن حفظ العلم وعني به، ثم تركه. وقال: إنما تركته لله. لأن أهله أدخلوا فيه ما ليس فيه. توفي رحمه الله تعالى، سنة خمسين وثلاثمائة. ويقال اثنتين وخمسين. وقيل سنة سبع وأربعين. وذكر أنه لما احتضر دعا بشرابه فأتي به. فقال: قد سقيت، وسقيت. وأرويت. ثم أومأ بيده، الى السلام. فقلنا: رأيت الملائكة؟ قال: رأيت. وجعل يومئ بيده، حتى قبضت نفسه. قال بعضهم: لما حضرته الوفاة، قال: قد بُشِّرت. قلت: بماذا؟ قال: أما تقرأ: يبشّرُهم ربُّهم برحمةٍ منه الآية.