للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتعبدين. وكان شديد الأخذ على نفسه. شديد الورع. وكان أحد من عقد الخروج على بني عبيد. قال: وبلغني عن بعض العلماء، أنه كان يقول: بالقيروان رجلان، يدعى كل واحد منهما باسم صاحبه، وهما: أبو الحسن الدباغ، وأبو إسحاق السبائي. يقال للدباغ عالم وأولى أن يسمى عابدًا. والسبائي يسمى عابدًا، وأولى أن يسمى عالمًا، لأنه كان يروي العلم ويعرفه ويتذاكر العلماء بحضرته وفي مجلسه، وهم: أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله تعالى وهو الملقي عليهم، وأبو القاسم بن شبلون، والقابسي، وسعيد بن ابراهيم، وغيرهم. وكل من يعرف مسألة كان يحضر مجلسه. فإذا تنازعوا فصل بينهم، بأمر يرجعون إليه كلهم فيه. ويستشيرونه في جميع أمورهم. فكان موفقًا في كل ما يشير عليهم. فيه أبو محمد بن أبي يزيد، رحمه الله تعالى، يقول: ما هذا الذي نحن فيه، إلا من بركته ودعائه. قال أبو الحسن: ما انتفعت إلا بدعائه. فإنه قال لي أعلى الله قدرك في الدنيا والآخرة. وكان أبو جعفر أحمد بن نصر الفقيه يقول: لا تعارضوا أبا إسحاق، فإنه لو وزن إيمانه بإيمان أهل الغرب، لرجحه. وسأل رجل أبا محمد بن أبي زيد رحمه الله تعالى، فقال: هل تعلم أحدًا في أقطار الأرض يشبه أبا إسحاق؟ قال: أما في إيمانه فما علمت - يعني في وقته. قال القابسي: وصلت وفاة السبائي الى مصر، في تسعة عشر يومًا، لجلاته في قلوب الناس. وكان لموته بمصر وصية في قلوب الناس من أهل العلم. وكان الثعالبي بمصر يقول: إذا أكربني أمر فذكرت أن السبائي يدعو لي، يفرَّج عني. قال المالكي: كان رجلًا

صالحًا فاضلًا مشهورًا بالعبادة والاجتهاد، كثير الورع وقافًا عن الشبهات، رقيق القلب، غزير الدمعة، متواضعًا، مجاب الدعوة، حسن الأخلاق، حميد الأدب، طلق الوجه، مجافيًا لأهل البدع، شديد الغلظة عليهم، قليل المداراة لهم. قال ابن سعدون: كان من المتعبدين المتقدمين

<<  <  ج: ص:  >  >>