للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود منه من أرسل إليهم.

أي إن كل حسنة تصيبك أيها المؤمن فهى من فضل الله وجوده، فهو الذي سخر لك المنافع التي تتمتع بها وتحسن لديك، فقد سخر لك الهواء الذي يحفظ الحياة، والماء العذب الذي يمد كل الأحياء، وأزواج النبات والحيوان وغيرهما من موادّ الغذاء وأنعم عليك بوسائل الراحة والهناء، وكل سيئة تصيبك فهى من نفسك فإنك بما أوتيت من قدرة على العمل، واختيار فى درء المفاسد وجلب المنافع، وترجيح لبعض المقاصد على بعض، قد تخطىء فى معرفة ما يسوء وما ينفع، لأنك لا تضبط إرادتك وهواك، ولا تحيط علما بالسنن والأسباب، فأنت ترجح بعضا على بعض إما بالهوى أو قبل أن تحيط خبرا بمعرفة النافع والضار فتقع فيما يسوء.

والخلاصة- إن هاهنا شيئين لا بد من معرفتهما:

١) إن كل شىء من عند الله على معنى أنه خالق الأشياء وواضع النظم والسنن للوصول إلى هذه الأشياء بسعى الإنسان وكسبه، وكل شىء حسن بهذا الاعتبار لأنه مظهر الإبداع والنظام.

٢) إن الإنسان لا يقع فيما يسوءه إلا بتقصير منه فى معرفة السنن والأسباب، فالسوء إنما ينسب إلى الأشياء بتصرف الإنسان باعتبار أنها تسوءه وليس بذاتىّ لها، ومن ثم ينسب ذلك إلى الإنسان، فالمرض مثلا يسوءه، وهو إنما يكون بتقصيره فى السير على نهج الفطرة فى التغذية، فقد يكون من تخمة قادته إليها شهوته أو من إفراط فى تعب أو راحة أو من تعرض للبرد القارس أو للحر الشديد أو نحو أولئك من لأسباب التي ترجع كلها إلى سوء الاختيار، كما أن الأمراض الموروثة هى من جناية الإنسان على الإنسان فهى من نفسه أيضا، لا من أصل الفطرة والطبيعة التي هى محض خلق الله دون اختيار الإنسان لنفسه، فالوالدان قد يجنيان على المرء بتعريض أنفسهما

<<  <  ج: ص:  >  >>