للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلّم طرقه وفاطمة ليلا فقال (ألا تصلّيان) فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إلىّ شيئا، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذه ويقول «وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» .

[الإيضاح]

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي ولقد وضّحنا للناس كل ما هم فى حاجة إليه من أمور دينهم ودنياهم، ليتذكروا فينيبوا ويعتبروا ويزدجروا عماهم عليه مقيمون من الشرك بالله وعبادة الأوثان، لكنهم لم يقبلوا ذلك، ولم يرعووا عن غيهم وعنادهم، واستكبارهم وعتوهم.

ثم بين سبب هذا العتو وتلك المماراة فقال:

(وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) أي وكان الإنسان بمقتضى جبلّته أكثر شىء مراء وخصومة، لا ينيب إلى حق، ولا يزدجر لموعظة، والمراد بذلك خصومة الأمم لأنبيائهم وردهم عليهم ما جاءوا به، كما حكى الله عنهم من قولهم «ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ» وقولهم «يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ» وشديد تعنتهم كما حكى عنهم بنحو قولهم «وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» .

وخلاصة ذلك- إن جدل الإنسان أكثر من جدل كل مجادل، لما أوتيه من سعة الحيلة، وقوة المعارضة، واختلاف النزعات والأهواء، وقوة العزيمة إلى غير حد فلو اتجه إلى سبل الخير، وتاقت نفسه إلى سلوك طريقه، ارتقى إلى حظيرة الملائكة، ولو نزعت نفسه إلى اتباع وساوس الشيطان، انحط إلى الدرك الأسفل ولحق بأنواع الحيوان، يفعل ما يشاء، غير مقيد بوازع من الدين، ولازمام من العقل وصادق العريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>