أي وإن يونس لرسول من ربه إلى قومه أهل نينوى بالموصل، حين هرب إلى الفلك المملوء بغير إذن ربه، فقارع أهل الفلك فكان من المغلوبين في القرعة وقد رووا في إباقه الرواية الآتية:
إنه لما أوعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى بالهجرة، فركب سفينة فوقفت فقالوا هاهنا عبد آبق من سيده، وكان الملاحون يزعمون أن السفينة إذا كان فيها آبق لا تجرى، فاقترعوا فخرجت القرعة عليه، فقال أنا الآبق وألقى نفسه في الماء.
(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) أي فالتقمه الحوت وهو فاعل ما يلام عليه من الهجرة بغير إذن ربه، وقد كان عليه أن يصبر على أذى قومه كما صبر أولو العزم من الرسل.
ثم ذكر سبحانه أنه أنجاه لما كان له من عمل صالح فقال:
(فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي فلولا أنه كان من الذاكرين الله كثيرا والمسبحين بحمده طوال عمره، للبث ميتا في بطنه إلى يوم البعث، إذ كان يهضم كبقية أنواع الطعام ويتحول إلى غذاء له كسائر أنواع الأغذية التي يأكلها.
(فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) أي فجعلنا الحوت يلقيه في مكان خال لا نبات فيه ولا شجر، وهو عليل الجسم سقيم النفس، لما لحقه من الغم مما حدث من قومه معه، إذ أعرضوا عن دعوته ولم يصدقوه فيما جاء به، وقد كان يرجو لهم الخير والسعادة فى دنياهم وآخرتهم ولما وجد من شدة وجهد في ابتلاع الحوت له.
ثم بين لطفه به ورعايته له حتى لا يتعرض لحر الشمس ولا لزمهرير البرد فقال:
(وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) أي فأنبتنا حواليه شجرة موز يتغطى بورقها،