بعد أن حاجّ أهل الزيغ والضلال جميعا، فحاجّ النصارى فى الآية السابقة، وحاج اليهود فى الآية التي قبلها، وحاج المنافقين والمشركين أثناء السورة وفى سور كثيرة غيرها، وأقام الحجة عليهم جميعا وظهرت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ظهور الشمس فى رائعة النهار- نادى الناس كافة ودعاهم إلى اتباع برهانه والاهتداء بنوره.
[الإيضاح]
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قد جاءكم من قبل ربكم برهان جلىّ يبين لكم حقيقة الإيمان به وبجميع ما أنتم فى حاجة إليه من أمر دينكم مؤيد بالدلائل والبينات، ألا وهو النبي الأمى الذي هو برهان على حقية ما جاء به بسيرته العملية، ودعوته التشريعية، فإن أمّيّا لم يتعلم فى مدرسة ولم يعن فى طفولته بما كان يسمى عند قومه علما كالشعر والنسب وأيام العرب بل ترك ولدان المشركين وشأنهم ولم يحضر سمّار قومه ولا معاهد لهوهم، ولم يحظ من التربية المنزلية والتأديب الاجتماعى فى أول نشأته ما يؤهله للمنصب الذي تصدّى له فى كهولته، وهو تربية الأمم تربية دينية اجتماعية سياسية حربية، وهو مع هذا قد قام به على أتم وجه وأكمل طريق- لهو برهان على عناية الله به، وتأييده إياه بوحيه وهديه.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أي وأنزلنا إليكم بما أوحينا إليه كتابا هو كالنور فى الهداية للناس، مبينا لكل ما أنزل لبيانه من توحيد الله وربوبيته وهو المقصد الأعلى الذي بعث به جميع الرسل وكان كل منهم يدعو أمته إليه ويستجيب له الناس بقدر استعدادهم لفهم حقيقته، ثم لا يلبثون أن يشوّهوه بالشرك وضروب الوثنية التي تدنس النفوس وتهبط بها من أوج العزة والكرامة إلى المهانة والذلة بالخضوع لبعض مخلوقات من جنسهم أو من أجناس أخرى.