عن الباقين، لا فرض عين على كل شخص، وإنما يجب ذلك إذا خرج الرسول واستنفرهم للجهاد.
(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) أي فهلا نفر للقتال من كل فرقة كبيرة منهم، كأهل بلد أو قبيلة طائفة وجماعة ليتسنى لهم: أي للمؤمنين فى جملتهم التفقه فى الدين، بأن يتكلف الباقون فى المدينة الفقاهة فى الدين بما يتجدد نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم من الآيات وما يكون منه صلى الله عليه وسلم من بيانها بالقول والعمل، فيعرف الحكم مع حكمته، ويوضح المجمل بالعمل به، ولينذروا قومهم الذين نفروا للقاء العدو إذا رجعوا إليهم: أي ليجعلوا أهمّ قصد لهم من الفقاهة إرشاد هؤلاء وتعليمهم، وإنذارهم عاقبة الجهل وترك العمل بما علموا، رجاء أن يخافوا الله ويحذروا عاقبة عصيانه، وأن يكون جميع المؤمنين علماء بدينهم قادرين على نشر دعوته والحجاج عنه وبيان أسراره للناس، لا أن يوجهوا أنظارهم إلى الرياسات والمناصب العالية والترفع عن سواد الناس وكسب المال والتشبه بالظلمة والجبارين فى ملابسهم ومراكبهم ومنافسة بعضهم بعضا.
وفى الآية إشارة إلى وجوب التفقه فى الدين والاستعداد لتعليمه فى مواطن الإقامة وتفقيه الناس فيه بالمقدار الذي تصلح به حالهم فلا يجهلون الأحكام الدينية العامة التي يجب على كل مؤمن أن يتعرفها، والناصبون أنفسهم لهذا التفقه على هذا القصد لهم عند الله من سامى المراتب ما لا يقل فى الدرجة عن المجاهد بالمال والنفس فى سبيل إعلاء كلمة الله والذود عن الدين والملة، بل هم أفضل منهم فى غير الحال التي يكون فيها الدفاع واجبا عينيا على كل شخص.