الفضل والذين، ولم يكن ذلك إلا لشدة رغبتهم في القيام بشأنها وكفاية مهامها، إما لأن عمران كان رئيسا لهم فأرادوا مكافأته قياما ببعض ما يجب له من الحقوق، وإما لأنهم وجدوا في بعض كتب الدين أنه سيكون لها ولابنها شأن عظيم، وإما لأنهم رأوا في ذلك القيام بواجب دينى إذ كانت محررة لخدمة بيت العبادة.
وقد جاءت هذه الآية عقب هذه القصة لبيان أنه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ أخبار القوم لأنه أمي، ولم يروها سماعا عن أحد كما يعترف بذلك منكر ونبوّته، لأنه نشأ بين قوم أميين، فلم يبق له طريق للعلم إلا الوحى أو المشاهدة، والوحى ينكرونه، فلا سبيل بعدئذ إلا المشاهدة التي نفاها على سبيل التهكم لاستحالتها.
ونظير هذه الآية قوله عقب قصة نوح عليه السلام «تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا» وقوله بعد قصة موسى وشعيب «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ» .
والجاحدون من أهل الكتاب يقولون فيما وافق فيه القرآن كتبهم: إنه مأخوذ منها وفيما خالفها إنه ليس بصحيح لأنه خالفها، وفيما لم يوجد فيها إنه غير صحيح لأنه لم يذكر فيها، وهذا من المكابرة التي لا تغنى حجة لرد خصم على خصم، والمسلمون يقولون إن ما جاء به القرآن هو الحق للأدلة القائمة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحفظ كتابه ونقله بالتواتر الصحيح، وما جاء فيه مخالفا لما في الكتب السابقة يعد مصححا لأغلاطها لانقطاع أسانيدها، حتى إن أعظمها وأشهرها وهى الأسفار التي تنسب إلى موسى عليه السلام لا يعرف كاتبها، ولا الزمن الذي كتبت فيه، ولا اللغة التي كتبت بها أولا.