وحين علم داود غرضهما وتظاهرت عليه الأدلة همّ أن ينتقم منهما ويجازى السيئة بمثلها «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» ولكنه رأى أن مقام النبوة أمثل به الصفح والعفو كما قال:
«فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» ومن ثم استغفر ربه لما كان قد عزم عليه من الانتقام تأديبا لهما ولأمثالهما.
وما جاء في بعض كتب التفسير من أن المراد بالنعاج النساء كما جاء كناية عن ذلك
فى كلام العرب كما قال ... كنعاج الفلا تعسّفن رملا
فذلك يتوقف على أن كلمة
(نعجة) فى اللغة العبرية تستعمل كناية عن المرأة كما هى في العربية، وتأباه كلمة (الْخُلَطاءِ) وكذلك ما يقال من أن الخصمين كانا ملكين فإن (تَسَوَّرُوا) تأباه لأن الملائكة أجسام نورانية لا أجسام كثيفة فلا حاجة إلى التسوّر، إلى أنّ ما جاء من القصص عن ذكر السبب في مجىء الملكين مما يخلّ بمنصب النبوة، وفيه نسبة الكبائر إلى الأنبياء، فيجب علينا أن نطرحه إذ يبطل الوثوق بالشرائع- إلى ما فيه من مطعن لأرباب الأديان الأخرى على المسلمين، إذ نسبوا إلى الأنبياء ما يجلّ مقامهم عنه، ويأباه عامة الناس فضلا عن الأنبياء الذين اصطفاهم الله لرسالاته، ومن ثم أثر عن علىّ رضى الله عنه أنه قال: من حدّثكم بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين.