أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمتخاصمين حضرا أمامه «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلىّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار» . فبكى الخصمان وقال كل واحد منهما: أنا حلّ لصاحبى، فقال عليه الصلاة والسلام:«اذهبا فتوخّيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه» .
وقوله ألحن بحجته: أي أقدر عليها من صاحبه، والتوخي قصد الحق، والاستهام: الاقتراع أي اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة، وليأخذ كل منكما ما تخرجه القرعة من القسمة.
وفي الآية والحديث عبرة لو كلاء الدعاوى (المحامين) فلا ينبغى لمن يؤمن منهم بالله واليوم الآخر أن يقبل الوكالة في دعوى يعتقد أن صاحبها مبطل، ويعتمد في ذلك على خلابته في القول ولحنه في الخطاب.
والناظر إلى ما عليه المسلمون اليوم من غرامهم بالتقاضي والخصام والإدلاء إلى الحكام لمحض الإيذاء والانتقام وإن أضرّ بنفسه، يعلم بعدهم عن فهم دينهم وهدى كتابهم، ومن ثم ساءت حالهم فنفدت ثرواتهم، وخربت بيوتهم، وفرّقت جماعاتهم، ولو تأدبوا بأدب الكتاب الذي إليه ينتسبون لكان لهم من هدايته ما يحفظ حقوقهم ويمنع تقاطعهم وعقوقهم، ولحلّ فيهم التراحم محل التزاحم، وقد بلغ من أمرهم أن ظنوا أنهم عن هدى الدين أغنياء، وعموا عما أصابهم لأجل هذا من الأرزاء.