(فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) أي فهلا وجد من أولئك الأقوام الذين أهلكناهم بظلمهم وفسادهم فى الأرض جماعة أو لو عقل ورأى وصلاح ينهونهم عن الفساد فى الأرض باتباع الهوى والشهوات التي تفسد عليهم أنفسهم ومصالحهم، فيحولون بينهم وبين الفساد، ومن سنة الله ألا يهلك قوما إلا إذا عمّ الفساد والظلم أكثرهم.
(إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) أي ولكن كان هناك قليل من الذين أنجيناهم مع رسلهم منبوذين لا يقبل نهيهم وأمرهم مهددين مع رسلهم بالإبعاد والأذى.
(وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ) أي واتبع الظالمون وهم الأكثرون ما رزقناهم من أسباب الترف والنعيم فبطروا واستكبروا وصدوا عن سبيل الله، وكانوا ذوى جرائم بما ولده الترف والنعيم، فكان هو المسخّر لعقولهم، وبذا رجّحوا ما أتوا على اتباع الرسل.
وخلاصة ذلك- إن العقول السليمة كافية لفهم ما فى دعوة الرسل من الخير والصلاح لو لم يمنع استعمال هدايتها الافتتان بالترف والنعيم بدلا من القصد والاعتدال فيه وشكر المنعم عليه، وقد هدت التجارب إلى أن الترف هو الباعث على الفسوق والعصيان والظلم والإجرام، ويظهر ذلك بديئا فى الرؤساء والسادة، ومنهم ينتقل إلى الدهماء والعامة فيكون ذلك سببا فى الهلاك بالاستئصال، أو فى فقد العزة والاستقلال، وتلك هى سنة الله فى خلقه كما قال:«وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً» .
ثم بين سبحانه ما يحول بين الأمم وإهلاكها فقال:
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) الظلم هو الشرك أي إنه تعالى ليس من سنته أن يهلك القرى بشرك أهلها ماداموا مصلحين فى أعمالهم الاجتماعية والعمرانية والمدنية، فلا يبخسون الناس حقوقهم كما فعل قوم شعيب، ولا يبطشون بالناس