وبالاستقراء نرى أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب، هى التي نزلت بمكة لدعوة المشركين إلى الإسلام وإثبات النبوة والوحى، وما نزل منها بالمدينة كالزهراوين البقرة وآل عمران، فالدعوة فيه موجهة إلى أهل الكتاب، وهكذا الحال فى السور: مريم والعنكبوت والروم وص ون، فإن ما فيها يتعلق بإثبات النبوة والكتاب كالفتنة فى الدين بإيذاء الضعفاء لإرجاعهم عن دينهم بالقوة القاهرة، والإنباء بقصص فارس والروم ونصر الله للمؤمنين على المشركين، وكان هذا من أظهر المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويرى بعض العلماء أنها أسماء للسور، والأسماء المرتجلة لا تعلّل، كما يرى آخرون أن الحكمة فى ذكرها بيان إعجاز القرآن بالإشارة إلى أنه مركب من هذه الأحرف المفردة التي يتألف منها الكلام العربي ومع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، ليؤديهم النظر إلى أنه ليس من كلام البشر، بل من كلام خالق القوى والقدر والحرج:
الضيق من عاقبة المخالفة، والذكرى: التذكر النافع والموعظة المؤثرة، وولاية الله لعباده:
تولى أمورهم فبما لا يصل إليه كسبهم من هدايتهم ونصرهم على أعدائهم، وشرعه لهم عبادته وبيان الحرام والحلال، و (ما) فى قوله قليلا ما- حرف يؤكد معنى القلة، وتذكرون: أصله تتذكرون حذفت منه إحدى التاءين.
[الإيضاح]
(كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي هذا القرآن كتاب أنزل إليك من عند ربك، ووصفه بالإنزال من عنده تعالى- دال على عظيم قدره وقدر من أنزل إليه.
(فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) أي لا يضق صدرك من الإنذار به وإبلاغه من أمرت بإبلاغه إليهم، واصبر لأمرى فيما حمّلتك من عبء النبوة كما صبر أولو العزم من الرسل فإن الله معك.
وقد كلف صلى الله عليه وسلم هداية الثقلين وكان من المتوقع أن يلقى أشد الإيذاء