بعد أن بالغ سبحانه فى الوعد للمتقين والوعيد للكافرين، وعاد وكرر فى الترغيب والترهيب إلى أقصى الغاية، أردف ذلك ذكر هذه الأوامر التي جمعت فضائل الأخلاق والآداب وضروب التكاليف التي رسمها الدين وحث عليها لما فيها من إصلاح حال النفوس، وصلاح حال الأمم والشعوب، ثم ضرب الأمثال لمن يحيد عنها وينفر من فعلها.
ثم أبان أن أمر الهداية والإضلال بيده وأنه قد قدّره بحسب استعداد النفوس للصلاح والغواية، وأنه سيجازى يوم القيامة كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، إنه سريع الحساب.
أخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال:«أعظم آية فى كتاب الله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» وأجمع آية فى كتاب الله للخير والشر الآية التي فى النحل «إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان» وأكثر آية فى كتاب الله تفويضا «ومن يتّق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» وأشد آية فى كتاب الله رجاء «يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعا»
وعن عكرمة «أن النبي صلى الله عليه وسلّم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية فقال له يا ابن أخى أعد علىّ، فأعادها عليه، فقال له الوليد: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وأخرج البيهقي فى شعب الإيمان عن الحسن رضى الله عنه «أنه قرأ هذه الآية «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ» الآية ثم قال إن الله عزّ وجلّ جمع لكم الخير كله، والشر كله فى آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه وأمر به، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.