ذلك المشركين بعثوا عمرو بن العاص فى رهط منهم ذكروا أنهم سبقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فقالوا: إنه قد خرج فينا رجل سفّه عقول قريش وأحلامها، زعم أنه نبى وأنه بعث إليك رهطا ليفسدوا عليك قومك فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم. قال: إن جاءونى نظرت فيما يقولون، فلما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا إلى باب النجاشي قالوا له: استأذن لأولياء الله، فقال ائذن لهم فمرحبا بأولياء الله، فلما دخلوا عليه سلموا فقال لهم ما يمنعكم أن تحيونى بتحيتى؟ قالوا إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة، فقال لهم ما يقول صاحبكم فى عيسى وأمه؟ قالوا بقول عبد الله ورسوله وكلمة من الله وروح منه ألقاها إلى مريم، ويقول فى مريم إنها العذراء الطيبة البتول، قال فأخذ عودا من الأرض فقال: مازاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم هذا العود «أي مثله فى صغره» فكره المشركون قوله، وتغيرت له وجوههم، فقال: هل تقرءون شيئا مما أنزل عليكم؟ قالوا نعم، قال فاقرءوا فقرءوا، وحوله القسيسون والرهبان وسائر النصارى فجعلت طائفة من القسيسين والرهبان كلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق وهذا ما أشار إليه بقوله «ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق» .
[الإيضاح]
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي قسما لتجدن أيها الرسول أشد الناس عداوة للذين صدّقوك واتبعوك وصدقوا بما جئتهم به، اليهود والمشركين من عبدة الأوثان الذين اتخذوها آلهة يعبدونها من دون الله.
وأشد ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من العداوة والإيذاء، كان من يهود الحجاز فى المدينة وما حولها، ومن مشركى العرب ولا سيما مكة وما قرب منها.
وقد كان اليهود والمشركون مشتركين فى بعض الصفات والأخلاق التي اقتضت عداوتهم الشديدة للمؤمنين كالكبر، والعتوّ، والبغي، وغلبة الحياة المادية، والأثرة