(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) أي لو كان ما دعوتهم إليه منفعة قريبة المنال ليس فى الوصول إليها كبير عناء، وسفرا هينا لا تعب فيه، لا تبعوك وأسرعوا بالنفر إليه، إذ حب المنافع المادية والرغبة فيها طبيعى فى الإنسان، ولا سيما إذ كانت سهلة المأخذ قريبة المنال وكان من يسعى إليها ممن لا يوقنون باليوم الآخر وما فيه من الثواب المقيم والأجر العظيم كأولئك المنافقين.
(وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) أي ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد وكلفتهم سفرا شاقا، لأنك استنهضتهم وقت الحر وزمن القيظ، وحين الحاجة إلى الكنّ، فتخلفوا جبنا وحبّا للراحة والسلامة.
(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) أي وسيحلفون لك عند رجوعك من غزوة تبوك كما قال: «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ» قائلين لو استطعنا الخروج إلى الجهاد وانتفت الأعذار المانعة منه لخرجنا معكم، فما كان تخلفنا إلا اضطرارا.
(يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي يهلكون أنفسهم بإيقاعهم فى العذاب بامتهان اسم الله بالحلف الكاذب لستر نفاقهم وإخفائه، تأييدا للباطل بالباطل، وتقوية للإجرام بالإجرام،
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:«اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع» .
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فى حلفهم بالله وقولهم لو استطعنا لخرجنا معكم، فهم كانوا للخروج مطيقين، إذ كانوا أصحاء الأبدان أقوياء الأجسام ذوى يسرة فى المال.
ثم عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى إذنه لمن تخلف عنه من المنافقين حين شخص إلى تبوك لغزو الروم فقال:
(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ) أي عفا عنك ما أدى إليه اجتهادك من الإذن لهم حين استأذنوك وكذبوا عليك فى الاعتذار.
(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ؟) أي لأى شىء أذنت لهم بالقعود والتخلف كما أرادوا، وهلا