الله حديثا، وذكر أنه لا ينجو فى ذلك اليوم إلا من كان طاهر القلب والجوارح بالإيمان به والطاعة لرسوله- وصف فى هذه الآية الوقوف بين يديه فى مقام الأنس، وحضرة القدس، المنجى من هول الوقوف فى ذلك اليوم، وطلب فيه استكمال القوى العقلية وتوجيهها إلى جانب العلى الأعلى بألا تكون مشغولة بذكرى غيره، طاهرة من الأنجاس والأخباث، لتكون على أتم العدّة للوقوف فى ذلك الموقف الرهيب، مستشعرة تلك العظمة والجلال والكبرياء.
[الإيضاح]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) أي لا تصلّوا حال السكر حتى تعلموا قبل الشروع فيها ما ستقرءونه وما ستعملونه، ذاك أن حال السكر لا يتأتى معها الخشوع والخضوع والحضور مع الله بمناجاته بكتابه وذكره ودعائه.
وهذا الخطاب موجه إلى المسلمين قبل السكر بأن يجتنبوه إذا ظنوا أنهم سيصلّون، ليحتاطوا فيجتنبوه فى أكثر الأوقات، وقد كان هذا تمهيدا لتحريم السكر تحريما باتا لا هوادة فيه، إذ من يتقى أن يجىء عليه وقت الصلاة وهو سكران يترك الشرب عامة النهار وأول الليل لتفرّق الصلوات الخمس فى هذه المدة. فلم يبق للسكر إلا وقت النوم من بعد العشاء إلى السحر فيقلّ الشراب لمزاحمة النوم له، وأول النهار من صلاة الفجر إلى وقت الظهيرة وقت الكسب والعمل لأكثر الناس، ويقل أن يسكر فيه إلا أصحاب البطالة والكسل.
وقد ورد أنهم كانوا بعد نزولها يشربون بعد العشاء فلا يصبحون إلا وقد زال السكر وصاروا يعلمون ما يقولون.
روى أبو داود والترمذي عن على كرم الله وجهه قال «صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت منا وحضرت الصلاة فقدّمونى فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فنزلت الآية.