(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) المراد من المشركين الناكثون للعهد، لأن البراءة إنما هى فى شأنهم، أي بأى حال يكون لهؤلاء المشركين عهد معتدّ به عند الله وعند رسوله يستحق أن يراعى ويحافظ عليه إلى إتمام المدة بحيث لا يتعرض لهم على حسبه قتلا وأخذا، وحالهم ما بين فى الآية التالية- إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة.
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر فيما وقع من العهود إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام وهم بنو كنانة وبنو ضمرة، لأنهم ممن كان قد أقام على عهده ولم يدخل فى نقض ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية من العهد.
(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) أي فهؤلاء تربصوا بهم ولا تقتلوهم ما استقاموا لكم على العهد، إذ لا يجوز أن يكون نقضه من قبلكم.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين يتقون الغدر ونقض العهد، وهؤلاء المعاهدون المذكورون هنا: هم المذكورون أولا بقوله: إلا الذين عاهدتم من المشركين إلخ، وإنما أعيد ذكرهم هنا، لبيان أنه يجب أن تكون الاستقامة على العهد مرعيّة من الطرفين المتعاقدين إلى نهاية مدته، وبيان استباحة نبذ عهد الذين لا يستقيمون للمعاهد لهم إلا عند العجز عن الغدر حتى إذا ما قدروا عليه نقضوا عهده أو نقصوا منه كما فعلت قريش فى نقض عهد الحديبية بمظاهرتهم لحلفائهم من بنى بكر على خزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) أي كيف يكون للمشركين غير هؤلاء الذين جربتم وفاءهم- عهد مشروع عند الله مرعىّ الوفاء عند رسوله- وحالهم المعروفة من أخلاقهم وأعمالهم أنهم إن يظهروا عليكم فى القوّة والغلب، لا يرقبوا الله ولا القرابة فى نقض العهد والميثاق.