(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) أي ألم تعلم أنه تعالى يعلم ما فى السموات وما فى الأرض، فلا يتناجى ثلاثة إلا والله معهم ويعلم ما يقولون وما يدبرون، ولا خمسة إلا وهو سادسهم يعلم ما به يتناجون، ولا نجوى أكثر من هذه الأعداد ولا أقل منها إلا وهو عليم بها، وعليم بزمانها ومكانها لا يخفى عليه شىء من أمرها.
وإنما خص هذه الأعداد، لأن أقل ما لا بد منه فى المشاورة التي يكون الغرض منها تدبير المصالح العامة- ثلاثة فيكون الاثنان كالمتنازعين نفيا وإثباتا، والثالث كالحكم بينهما، وحينئذ تكمل المشورة ويتم الغرض، وهكذا فى كل جمع اجتمعوا المشورة لا بد من واحد يكون حكما مقبول القول، ومن ثم يكون عدد رجال المشورة فردا كما جاء فى الآية ونحوها قوله:«أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» وقوله: «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ؟ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» .
(ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي ثم ينبئ هؤلاء المتناجين بما عملوا من عمل يحبه أو يسخطه يوم القيامة، وإنه لعليم بنجواهم وأسرارهم لا تخفى عليه خافية من أمرهم.
وقد علمت أن هذا الإنباء إنما هو للتنديم وزيادة التقريع والتوبيخ على مرأى ومسمع من أهل الموقف، فيكون ذلك أنكى وأشد إيلاما لهم.