بعد أن بيّن سبحانه حكم قاذف الأجنبيات بالزنا وذكر أنه لا يعفى القاذف عن العقوبة إلا إذا أتى بأربعة شهداء- ذكر هنا ما هو فى حكم الاستثناء من ذلك، وهو قذف الزوجات، فإن الزوج القاذف يعفى من الحد إذا شهد الشهادات المبينة فى الآية، لأن فى تكليف الزوج إحضار الشهود وإعناتا له وإحراجا، ولما يلحقه من الغيرة على أهله ثم كظم الغيظ إذ لا يجد مخلصا من ضيقه.
روى عن ابن عباس أنه قال: «لما نزل قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات إلخ قال عاصم بن عدىّ الأنصاري: إن دخل منا رجل بيته فوجد رجلا على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك، فقد قضى الرجل حاجته وخرج، وإن قتله قتل به، وإن قال وجدت فلانا مع تلك المرأة ضرب، وإن سكت سكت على غيظ، اللهم افتح.
وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عو يمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس، فأتى عويمر عاصما فقال: لقد رأيت شريك بن سحماء على بطن امرأتى خولة، فاسترجع عاصم وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بهذا فى أهل بيتي! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال أخبرنى عويمر ابن عمى أنه رأى شريك بن سحماء على بطن امرأته خولة، وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عم عاصم، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهم جميعا وقال لعويمر اتقى الله فى زوجتك وابن عمك ولا تقذفها، فقال: يا رسول الله أقسم بالله إنى رأيت شريكا على بطنها وإنى ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنها حبلى من غيرى، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: اتقى الله ولا تخبري إلا بما صنعت، فقالت يا رسول الله: إن عويمرا رجل غيور وإنه رأى شريكا يطيل النظر إلىّ ويتحدث فحملته الغيرة على ما قال، فأنزل الله هذه الآية، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم.