والحشر للحساب والجزاء، والدين: الجزاء، وواقع: أي حاصل، والحبك: الطرق واحدها حبيكة، مختلف: أي متناقض مضطرب فى شأن الله، فبينا تقولون إنه خالق السموات تقولون بصحة عبادة الأوثان معه، وفى شأن الرسول فتارة تقولون إنه مجنون وتارة تقولون إنه ساحر، وفى شأن الحشر فتارة تقولون لا حشر ولا بعث، وأخرى تقولون: الأصنام شفعاؤنا عند الله يوم القيامة، يؤفك عنه من أفك: أي يصرف عن القول المختلف: أي بسببه من صرف عن الإيمان، والخرّاصون: أي الكذابون من أصحاب القول المختلف، فى غمرة: أي فى جهل يشملهم ويغمرهم شمول الماء الغامر، ساهون: أي غافلون عما أمروا به، أيان يوم الدين: أي متى يوم الجزاء: أي متى حصوله، يفتنون: أي يحرقون، وأصل الفتن: إذابة الجوهر ليعرف غشه، فاستعمل فى الإحراق والتعذيب، فتنتكم: أي عذابكم المعدّ لكم.
[المعنى الجملي]
هاهنا أمور يجمل بك أن تتفهمها:
(١) بعد أن بين الحشر بدلائله وقال: «ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ» ثم أصروا على ذلك غاية الإصرار لم يبق إلا اليمين فقال «وَالذَّارِياتِ ذَرْواً- ... إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ» .
(٢) إن الأيمان التي حلف بها الله تعالى فى كتابه كلها دلائل على قدرته أخرجها فى صورة الأيمان، كما يقول القائل للمنعم عليه: وحق نعمك الكثيرة إنى لا أزال أشكرك، فيذكر النعم وهى سبب لدوام الشكر ويسلك بها مسلك القسم، وجاءت الآية هكذا مصدّرة بالقسم، لأن المتكلم إذا بدأ كلامه به علم السامع أن هاهنا كلاما عظيما يجب أن يصغى إليه، فإذا وجّه همه لسماعه خرج له الدليل والبرهان المتين فى صورة اليمين.