(وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا) أي وهل بلغك كيف كان ابتداء الوحى إلى موسى وتكليم الله إياه.
ومن سنن العربية أنه إذا أريد تثبيت الخبر، وتقرير الجواب فى نفس المخاطب، أن يلقى إليه بطريق الاستفهام، فيقول المرء لصاحبه: هل بلغك كذا وكذا، فيتطلع السامع إلى معرفة الخبر، ويصغى إليه أتم الإصغاء.
روى أن موسى عليه السلام استأذن شعيبا فى الرجوع إلى والدته، فإذن له بعد أن قضى الأجل الذي كان بينه وبين صهره فى رعاية الغنم، فخرج وسار قاصدا مصر بعد أن طالت غيبته عنها، فقد زادت على عشر سنين ومعه زوجه، فولد له ابن فى الطريق فى ليلة شاتية ذات ثلج وبرد وسحاب وضباب وظلام، ونزل منزلا بين شعاب وجبال، وجعل يقدح بزند كان معه ليورى نارا، فلم تور المقدحة شيئا، وبينا هو يزال ذلك ويعالجه، إذ رأى نارا من بعد عن يسار الطريق.
(فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) أي فقال لامرأته وولدها وخادمها مبشرا لهم: أقيموا مكانكم إنى أبصرت نارا وسأذهب إليها لعلنى أجيئكم منها بشعلة مقتبسة على رأس عود أو نحوه، أو أجد هاديا يدلنى على الطريق، وجاء فى سورة القصص:«لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون» .
وقصارى ذلك- إنه قال لأهله أقيموا مكانكم- وإنى قد رأيت نارا فإما أن آتيكم منها بقبس تشعلون منه نارا تصطلون بها، وإما أن أجد دليلا يرشدنى إلى الطريق المسلوك وكان قد ضل عنه.