كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجب من كفر قومه به وبما أنزل عليه مع وضوح برهانه وإظهار إعجازه وكان يضيق صدره لذلك ويبلغ منه الحزن والأسف كل مبلغ كما قال فى سورة هود «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ» .
فبين الله أسباب ذلك ومناشئه من طباع البشر وأخلاقهم، ليعلم أن الحجة مهما تكن ناهضة فإنها لا تجدى إلا عند من كان مستعدا لها وزالت عنه موانع الكبر والعناد، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة:
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي إن علة تكذيبهم بالحق هى إعراضهم عن الآيات وإقفال باب النظر والاستدلال لإخفاء الآيات فى أنفسها وقوة الشبهات التي تحوم حولها، فلو أننا نزلنا عليك كتابا من السماء فى قرطاس فرأوه نازلا فيها بأعينهم ولمسوه عند وصوله إلى الأرض بأيديهم لقال الذين كفروا منهم: ما هذا الذي رأيناه ولمسناه إلا سحر بيّن فى نفسه، وإنما خيل إلينا أننا رأينا كتابا ولمسناه، وما ثمّ كتاب نزل ولا قرطاس رئى ولا لمس، وتلك مقالة أمثالهم فى آيات الأنبياء من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا ...
وإنما قال لمسوه بأيديهم، ليبين أن المراد باللمس المعنى الأول لا الثاني الذي بيناه فيما سلف، ومن ثمّ قال قتادة: فعاينوه ومسّوه بأيديهم. وقال مجاهد فمسّوه ونظروا إليه واللمس أقوى اليقينيات الحسية وأبعدها عن الخداع، لأن البصر يخدع بالتخيل، وجاء فى سورة الحجر:«وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ [حبست ومنعت] أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» .