امتن سبحانه على عباده بأمور هى دلائل قدرته وواسع علمه فقال:
(١)(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي والله هو الذي أحدث لكم السمع، لتسمعوا به الأصوات التي تخاطبون بها، والأبصار لتشاهدوا بها الأضواء والألوان والأشكال المختلفة، والعقول لتفقهوا بها ما ينفعكم ويوصلكم إلى سعادة الحياتين الدنيا والعقبى.
وخص هذه الثلاثة بالذكر، لأنها طريق الاستدلال الحسى والعقلي لمعرفة الموجودات، وذكرها على هذا الترتيب، لما أثبته الطب أن الطفل فى الأيام الثلاثة الأولى يسمع ولا يبصر، ثم يبدأ الرؤية بعدئذ، ومن الواضح تأخر العقل عن ذلك.
(قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ) تقول العرب للكفور الجحود للنعمة: ما أقل شكر فلان على نعمتى، على معنى أنه لم يشكرها، فالمراد هنا أنكم لم تشكروه على هذه النعم العظيمة، وقد كان ينبغى أن تشكروه عليها فى كل حين.
(٢)(وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي وهو الذي خلقكم فى الأرض وبثكم فيها على اختلاف أجناسكم ولغاتكم، ثم يجمعكم لميقات يوم معلوم فى دار لا حاكم فيها سواه.
(٣)(وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي وهو الذي جعل الخلق أحياء بنفخ الروح فيهم بعد أن لم يكونوا شيئا، ثم يميتهم بعد أن أحياهم، ثم يعيدهم تارة أخرى للثواب والجزاء.
(٤)(وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي وهو الذي سخر الليل والنهار وجعلهما متعاقبين يطلب كل منهما الآخر طلبا حثيثا، لا يملانّ ولا يفترقان كما قال:«لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ» .