وقد كان من حكمة الله فى تربية رسوله وتكميله أن يبين له بعض الحقائق بعد اجتهاده فيها لتكون أوقع فى نفسه ونفس أتباعه فيحرصوا على العمل بها، ولا يحكموا أهواءهم فيها، وكذلك كان السلف الصالح يسيرون على نهجه، ويهتدون بهديه.
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ) أي ولقد ابتغى هؤلاء المنافقون إيقاع الفتنة فى المسلمين وتفريق شملهم من قبل هذه الغزوة فى غزوة أحد حين اعتزلهم عبد الله بن أبىّ ابن سلول زعيم المنافقين بثلث الجيش فى موضع يسمى الشوط بين المدينة وأحد، وطفق يقول للناس: أطاع النبي الولدان ومن لا رأى له، فعلام نقتل أنفسنا؟، وكان من رأيه عدم الخروج إلى أحد فرجع بمن اتبعه من المنافقين، وكاد يتبعه بنو سلمة وبنو حارثة فيرجعون ولكن عصمهما الله من الفتنة.
وكان دأب المنافقين أن يدبروا له الحيل والمكايد ليبطلوا أمره، فكان لهم ضلع مع اليهود وضلع مع المشركين فى كل ما فعلا من عداوته وقتال المؤمنين- حتى جاء النصر الذي وعده ربه وظهر دين الله وعلا شرعه بالتنكيل باليهود الغادرين الناكثين للعهود، والنصر على المشركين بفتح مكة ودخول الناس فى الإسلام أفواجا وهم كارهون لذلك، حتى لقد كانوا يمنون أنفسهم بظهور المشركين على المؤمنين فى حنين وعودة الشرك إلى قوته.
وفى الآيتين تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن تخلف المنافقين وبيان ما ثبطهم الله تعالى لأجله، وفيه هتك أستارهم وإزاحة أعذارهم.