بعد أن ذكر سبحانه سؤال فرعون عن رب موسى- قفى على ذلك ببيان أنه بصّره بالآيات الدالة على توحيد الله كقوله: ربنا الذي أعطى كل شىء خلقه ثم هدى، وقوله: الذي جعل لكم الأرض مهدا، والدالة على نبوته كإلقاء العصا وصيرورتها ثعبانا ونزع يده من تحت جناحه فتخرج بيضاء من غير سوء، فعلم كل هذا وكذّب به كفرا وعنادا كما قال «وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا» الآية.
[الإيضاح]
(ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى) أي ولقد بصّرنا فرعون وعرّفناه آياتنا الدالة على قدرتنا وعلى نبوة موسى فكذب بها وأبى أن يذعن للحق.
وقد يكون المراد بها الآيات التسع المذكورة فى قوله:«ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات» .
ثم فصل سبحانه صفة تكذيبه وإبائه فقال:
(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى؟) أي قال منكرا مستقبحا لما فعل موسى: أجئتنا من مكانك الذي كنت فيه بعد ما غبت عنا، لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر؟ إذ تستولى على عقول الناس فيتبعونك وتكاثرنا بهم.
وخلاصة ما قال- أجئت يا موسى لتوهم الناس بأنك نبى يجب عليهم اتباعك والإيمان بما جئت به إلى أن تغلب على أرضنا وتخرجنا منها ويكون لك الملك فيها، وإنما قال تلك المقالة، ليحمل قومه على السخط على موسى والغضب منه، بإظهار أن مراده ليس مجرد إنجاء بنى إسرائيل من أيديهم، بل مقصوده إخراج القبط من أوطانهم، وحيازة أموالهم وأملاكهم جملة، وبذا يسدّ عليه الباب فلا يتوجه أحد إلى اتباع دعوته، مبالغة فى المدافعة عن بلادهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولا ينظرون إلى معجزاته، ولا يلتفتون إلى ما يدعو إليه من الخير، ثم ادّعى أنه سيعارضه بمثل عمله فقال: