فى الأكوان، وفي خلق الإنسان، فبسط سلطانه على الشمس والقمر وذللهما، وجعلهما يجريان في ذلك الملكوت الذي لا يعلم مداه إلا هو، كما خلق الإنسان الأول وجعل له زوجا من جنسه، وخلق ثمانية أزواج من الحيوان ذكر وأنثى فكانت نواة التناسل فى هذه الأنواع، فهل بعد هذا يجد العاقل معدلا عن الاعتراف بربوبيته، وعظيم قدرته.
[الإيضاح]
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي خلق هذا العالم العلوي على ما فيه من بديع الصنع من شموس وأقمار، تكوّن الليل والنهار، والعالم السفلى المشتمل على المواليد الثلاثة من حيوان ونبات وجماد، وسخر كل ما فيه ظاهرا وباطنا لانتفاع الإنسان في سبل معايشه إذا استعمل عقله، واستخدم فكره في استنباط مرافقه- خلقهما على أكمل وجه، وأبدع نظام، قائمين على الحق والصواب، والحكم والمصالح.
وبعد أن أبان أنه خلقهما ذكر سبيل تصرفه فيهما فقال:
(يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) أي يغشى كلا منهما الآخر كأنه يلفه عليه لفّ اللباس على اللابس، أو يجعلهما في تتابعهما أشبه بتتابع أكوار العمامة بعضها على بعض، ألا ترى إلى الأرض وقد دارت حول نفسها وهى مكورة فأخذ النهار الحادث من مقابلتها للشمس يسير من الشرق إلى الغرب ويلف حولها طاويا الليل، والليل من الجهة الأخرى يلتف حولها طاويا النهار، فالأرض كالرأس والظلام والضياء يتتابعان تتابع أكوار العمامة، ويلتفان متتابعين حولها.
وفي هذا إيماء إلى كروية الأرض أولا، وإلى دورانها حول نفسها ثانيا، فتكوير الأرض ظاهر الآية، ودورانها أتى تابعا بالزمر والإشارة.
(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي وجعل الشمس والقمر وهما وسيلتا الليل والنهار منقادين له (وأكثر مصالح العالم مرتبطة بهما) يجريان لمنتهى