أن يجعل الذين اجترحوا السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا أن يسوّى بين الطيب والخبيث فيجعل البرّ كالفاجر والمصلح كالمفسد، بل لا بد من الجزاء بالحق، لذلك جاءت هذه الآيات ترغيبا لعباده وترهيبا لهم، ووعدا ووعيدا.
[الإيضاح]
(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي اعلموا أن ربكم الذي لا يخفى عليه شىء من سرائر أعمالكم وعلانيتها وهو محصيها عليكم، شديد العقاب لمن دسّى نفسه بالشرك والفسوق والعصيان، وغفار لذنوب من أطاعه وأناب إليه رحيم به، فلا يؤاخذه بما فرط منه قبل الإيمان، ولا بما يعمله من السوء بجهالة إذا بادر إلى التوبة وأصلح عمله، بل يستر ذنبه ويمحوه فلا يبقى له أثر مع إيماله وعمله الصالح كما يستر الماء القدر القليل بما يغمره من الماء النقي الكثير.
وفى تقديم العقاب على المغفرة والرحمة إيماء إلى أن العقاب قد ينتهى بالمغفرة والرحمة، لأن رحمته تعالى سبقت غضبه كما ورد فى صحيح الحديث، ومن ثم يغفر كثيرا لمن ظلم نفسه، قال تعالى:«وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» .
وبعد أن أبان سبحانه أن الجزاء بيد الله العليم بكل شىء، ذكر وظيفة الرسول فقال:
(ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) أي ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم بالإنذار بالعقاب بين يدى عذاب شديد، والإعذار إليكم بما يقطع حججكم- إلا أن يؤدى الرسالة ثم إلينا الثواب على الطاعة، وعلينا العقاب على المعصية، ولا يخفى علينا المطيع لأوامرنا، والعاصي التارك للعمل بها، إذ لا يغيب عنا شىء من ضمائر الصدور وظواهر أعمال النفوس، فخليق بكم أن تتقونى ولا تعصوا أمرى.
وفى هذا وعيد شديد وتهديد لمن يخالف أوامر الله ويعصيه. كما أن فيه إبطالا لما عليه أهل الشرك والضلال من الخوف من معبوداتهم الباطلة والتماس الخلاص والنجاة من العذاب بشفاعتها.