(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي صدّق الرسول بما جاء به الوحى من العقائد والأحكام تصديق يقين واطمئنان، وتخلّق به كما قالت عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن، وكذلك المؤمنون من أصحابه.
وقد كان من أثر هذا الإيمان أن زكت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، وعلت هممهم فأتوا بالعجب العاجب من فتح البلاد والشعوب وسياستها سياسة عدل وحكمة مما شهد لهم به أعدى أعدائهم، وسجله لهم التاريخ في سجلّ الدول العظيمة الرقىّ والتقدم حين كان الناس في ظلام دامس، وحين كانت أرقى الأمم في تلك العصور تسوس رعاياها بالخسف والعسف، فأنقذها مما ترسف فيه من قيود الاستعباد وجعلها تتنفس في جوّ من الحرية لم تر مثله- وكفى بالله شهيدا لهم.
(كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) أي كل منهم آمن بوجود الله ووحدانيته، وتمام حكمته في نظام خليقته، وبوجود الملائكة وسفارتهم بين الله والرسل ينزلون بوحيه على قلوب أنبيائه، أما البحث عن ذواتهم وصفاتهم وأعمالهم فمما لم يأذن به الله.
وآمن كل منهم إجمالا فيما أجمله القرآن وتفصيلا فيما فصله- بأن الله أنزل على رسله كتبا فيها هداية للبشر بحسب ما فصل في قوله:«قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ» الآية.
(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) أي ويقولون إن الرسل في الرسالة والتشريع سواء كثر قوم الرسول أو قلوا، والتفضيل الذي جاء في قوله تعالى:«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» إنما هو في مزايا أخرى فوق الرسالة.
وفي هذا إشارة إلى فضيلة المؤمنين على غيرهم من أهل الكتاب الذين يفرقون بين الله ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض.