(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) أي أنتم خير أمة فى الوجود الآن، لأنكم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون إيمانا صادقا يظهر أثره فى نفوسكم، فيزعكم عن الشر، ويصرفكم إلى الخير، وغيركم من الأمم قد غلب عليهم الشر والفساد، فلا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، ولا يؤمنون إيمانا صحيحا.
وهذا الوصف يصدق على الذين خوطبوا به أوّلا، وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين كانوا معه وقت التنزيل، فهم الذين كانوا أعداء، فألف بين قلوبهم، واعتصموا بحبل الله جميعا، وكانوا يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخاف ضعيفهم قويّهم، ولا يهاب صغيرهم كبيرهم، وملك الإيمان قلوبهم ومشاعرهم، فكانوا مسخرين لأغراضه فى جميع أحوالهم.
وهذا الإيمان هو الذي قال الله فى أهله «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» وقال فيهم أيضا «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» .
وما فتئت هذه الأمة خير الأمم حتى تركت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وما تركتهما إلا باستبداد الملوك والأمراء من بنى أمية ومن حذا حذوهم.
وأول من اجترأ منهم على إعلان هذه المعصية عبد الملك بن مروان حين قال على المنبر: من قال لى اتق الله ضربت عنقه وما زال الشر يزداد، والأمر يتفاقم حتى سلبت هذه الأمة أفضل مالها من مزية فى دينها ودنياها بعد الإيمان، وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.