المعنى إن الطين ماء وتراب مجتمعان، والآدمي أصله منىّ، والمنىّ من الغذاء والأغذية إما حيوانية، وإما نباتية. والحيوانية ترجع إلى النباتية، والنبات وجوده بالماء والتراب وهو الطين.
(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي ثم جعل ذريته يتناسلون كذلك من نطفة تخرج من بين الصلب والترائب فى كل من الرجل والمرأة كما دل على ذلك علم الأجنة، وسيأتى إيضاح هذا عند قوله تعالى:(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ)(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أي ثم عدّله بتكميل أعضائه فى الرحم، وتصويره على أحسن صورة، ونفخ فيه من روحه، وجعلها تتعلق ببدنه، فيبدأ يتحرك، وتظهر فيه آثار الحياة، ثم ينطق ويتكلم.
(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي وأنعم عليكم، فأعطاكم السمع تسمعون به الأصوات، والأبصار تبصرون بها المرئيات، والأفئدة تميزون بها بين الخير والشر، وبين الحق والباطل.
وجاء الترتيب هكذا: لما ثبت من أن الطفل بعد الولادة يسمع ولا يبصر مدى ثلاث أيام، ثم يبتدئ يبصر، ثم يبتدئ يدرك ويميز كما هو مشاهد.
ثم بين أن الإنسان قابل هذه النعم بالكفران إلا من رحم الله، فقال:
(قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ) أي وأنتم تشكرون ربكم قليلا من الشكر على هذه النعم التي أنعم بها عليكم باستعمالها فى طاعته وعمل ما يرضيه.
بعد أن ذكر الرسالة بقوله:«لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ» ، والوحدانية بقوله:«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» إلخ. أردف ذلك ذكر البعث، واستبعاد المشركين له، ثم الرد عليهم.