(خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) ضرب الله مثلا لحال قلوب أولئك القوم، وقد تمكن الكفر فيها حتى امتنع أن يصل إليها شىء من الأمور الدينية النافعة لها في معاشها ومعادها، وحيل بينها وبينه- بحال بيوت معدة لحلول ما يأتي إليها مما فيه مصالح مهمة للناس، لكنه منع ذلك بالختم عليها، وحيل بينها وبين ما أعدّت لأجله- فقد حدث في كل منهما امتناع دخول شىء بسبب مانع قوى وكذلك حدث مثل هذا في الأسماع فلا تسمع آيات الله المنزلة سماع تأمل وتدبر، وجعل على الأبصار غشاوة، فلا تدرك آيات الله المبصرة في الآفاق والأنفس الدالة على الإيمان ومن ثم لا يرجى تغيير حالهم ولا أن يدخل الإيمان في قلوبهم.
ذكر سبحانه أوّلا من أخلص دينه لله ووافق سرّه علنه وفعله قوله، ثم ثنى بذكر من محّضوا الكفر ظاهرا وباطنا. وهنا ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وهم أخبث الكفرة، لأنهم ضموا إلى الكفر استهزاء وخداعا وتمويها وتدليسا وفيهم نزل قوله:(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وقوله: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) .
وقد وصف الله حال الذين كفروا في آيتين وحال المنافقين في ثلاث عشرة آية، نعى عليهم فيها خبثهم ومكرهم، وفضحهم، واستجهلهم، واستهزأ بهم، وتهكم بفعلهم، ودعاهم صما بكما عميا، وضرب لهم شنيع الأمثال.