يعين لهم مجلسا وللسادة مجلسا آخر حتى لا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة، وحتى لا يقال إن السادة ومواليهم يجتمعون فى صعيد واحد، ويتحدثون وإياهم حديث الند للند، وفى ذلك امتهان لكبريائهم وخفض من عزتهم- قفى على ذلك بمثل يستبين منه أن المال لا ينبغى أن يكون موضع فخار، لأنه ظل زائل، وأنه كثيرا ما يصير الفقير غنيا والغنى فقيرا، وإنما الذي يجب أن يكون أساس التفاخر، وعمدة التفاضل، هو طاعة الله وعبادته والعمل على ما يرضيه فى دار الكرامة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
[الإيضاح]
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) أي واضرب أيها الرسول لهؤلاء المشركين بالله الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى- مثلا هو مثل رجلين جعلنا لأحدهما بستانين من كروم العنب، وأحطناهما بنخل، وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا.
وخلاصة ذلك- إن أرضه جمعت القوت والفواكه، وهى متواصلة متشابكة، فلها منظر ورواء حسن ووضع أنيق يخلب اللب بجماله وبهجته إذا امتلأ منه البصر.
روى أن أخوين من بنى إسرائيل ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطراها فاشترى الكافر بنصيبه ضياعا وعقارا، وأنفق المؤمن ما ورثه فى وجوه الخير وطاعة الله وآل أمرهما إلى ما قصه الله علينا فى كتابه.
وسواء أصحت الرواية أم لم تصح، فإن ضرب المثل لا يتوقف على صحتها.
وقد ضرب الله المثل ليبين حال الفريقين المؤمنين والكافرين، من قبل أن الكفار مع تقلبهم فى النعيم قد عصوا ربهم، وأن المؤمنين مع مكابدتهم للشدائد والبأساء قد أطاعوه.