(تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي هذه القصص السالفة من حديث الألوف الذين خرجوا من ديارهم، وتمليك طالوت، وإتيان التابوت، وانهزام الجبابرة، وقتل داود جالوت- آيات الله نقصها عليك على وجه لا يشك فيه أهل الكتاب، إذ هم يجدونه مطابقا لما جاء في كتبهم الدينية والتاريخية فأنت من المرسلين لما دلت عليه هذه الآيات، ولو كنت قد تعلمتها لجئت بها على النهج الذي عند أهل الكتاب أو غيرهم من القصّاص، ولم تشاهد أزمنة وقوعها حتى تراها رأى العين، وقد أشار سبحانه إلى مثل هذه الحجة للدلالة على نبوّته صلى الله عليه وسلم فقال:«وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ»
[العبرة بهذه القصص]
(١) إن الأمم إذا سيمت الخسف تتنبه أفكارها إلى دفع الضيم، فتعلم أن لا سبيل إلى ذلك إلا بانضوائها تحت لواء زعيم عادل باسل كما وقع من بنى إسرائيل حين نكل بهم أهل فلسطين.
(٢) إن أول من يشعر بالحاجة إلى ذلك هم خواصها وأشرافها كما حدث من الملأ من بنى إسرائيل، ثم تنتقل الفكرة من ذلك إلى عامتهم، حتى إذا وصلت إلى حيز العمل نكص ضعفاء العزائم على أعقابهم كما يدل عليه قوله:«فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» .
(٣) إن من شأن الأمم الاختلاف في اختيار الملك، ومن ثم لجأ الملأ من بنى إسرائيل إلى نبيهم ليختار لهم ملكا، وقد جاء الإسلام وجعل المرجح اختيار أرباب المكانة في الأمة، وهم أهل الحل والعقد، وعون الحاكم وقوته، لاحترام الأمة لهم وثقتها بهم.