للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى الجملي]

بعد أن بين سبحانه فيما سلف لعباده المؤمنين أن الهزيمة التي حلت بهم يوم أحد كانت بوسواس من الشيطان استزلهم به فزلوا- حذرهم هنا من مثل هذه الوسوسة التي أفسد بها الشيطان قلوب الكافرين.

[الإيضاح]

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) أي لا تكونوا أيها المؤمنون كأولئك المنافقين الذين قالوا فى شأن إخوانهم حين سافروا فى الأرض للتجارة والكسب فماتوا، أو كانوا غزاة فى وطنهم أو فى بلاد أخرى فقتلوا: لو كانوا مقيمين عندنا ما ماتوا وما قتلوا.

وعبر عن هؤلاء المنافقين بالكافرين، لبيان أن مثل هذا لا ينبغى أن يصدر من المؤمنين، بل إنما يصدر من الكافرين، إذ أن من مات أو قتل فقد انتهى أمره، فقولهم (لو كان كذا) عبث لأن ما وقع لا يرتفع، والحسرة عليه لا تفيد، ومن شأن المؤمنين أن يكونوا صحيحى العقل والإدراك.

إلى أن فى هذا القول جهلا بالدين وجحدا له فإن الله يقول: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا» .

وعقيدة القضاء والقدر لا تجعل المسلم مجبورا على أفعاله التي تصدر منه، فإن القضاء تعلق العلم الإلهى بالشيء، والعلم انكشاف لا يفيد الإلزام، والقدر وقوع الشيء بحسب العلم، والعلم لا يكون إلا مطابقا للواقع وإلا كان جهلا.

والله تعالى قد جعل للإنسان اختيارا فى أعماله، لكنه خلقه مع ذلك ناقص القدرة والإرادة والعلم، فقد يعزم على العمل ثم تنفسخ عزيمته لتغير علمه بالمصلحة

<<  <  ج: ص:  >  >>