للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو لعجزه عن تنفيذ ما عزم عليه، مع اعتقاده بأنه هو الموافق للمصلحة لمرض يلمّ به، أو مانع يحول بينه وبين تنفيذ ما عزم عليه.

وإنا لنرى هذا يحدث كل يوم، فليس الإنسان بقادر على أن يفعل كل ما يشاء كما يخيل إلى الناس اغترارا بما ينفذونه من عزائمهم، فاختياره فى أعماله وقدرته عليها ومعرفته الأسباب، كل ذلك له حدود لا يتعداها، فهو لا يحيط علما بأسباب الموت، ولا يقدر على اجتناب كل ما يعلم من أسبابه، وما كل ما يتعرض له يقع، فالذين يعرّضون أنفسهم لنار الحرب قد يسلم أكثرهم ويقتل أقلهم.

ومن هذا تعلم أن الشيء متى وقع علم أن وقوعه لم يكن منه بد، وأن الإنسان إذا كان يؤمن بمعونة الله وتأييده، وأنه يوفقه إلى علم ما يجهل من أسباب سعادته، يكون مع أخذه بالأسباب أنشط فى العمل، وأبعد عن اليأس والكسل.

(لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) أي لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا فيمن ماتوا أو قتلوا ما قالوا، ليكون عاقبة ذلك القول مع الاعتقاد حسرة فى قلوبهم على من فقد من إخوانهم تزيدهم ضعفا وتورثهم ندما على تمكينهم إياهم من التعرض لما ظنوه سببا ضروريا للموت، فإنكم إذا كنتم مثلهم فى ذلك يصيبكم من الحسرة مثل ما يصيبهم، وتضعفون عن القتال كما يضعفون، فلا يكون لكم ميزة عنهم بالعقل الراجح الذي يهدى صاحبه إلى أن الذي وقع كان لا بد أن يقع، فلا يتحسر عليه، ولا بالإيمان الصادق الذي يزيد صاحبه إيقانا وتسليما بكل ما يجرى به القضاء (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي والله هو المؤثر وحده فى الحياة والموت بمقتضى سننه فى أسبابهما، وليس للإقامة والسفر مدخل فيهما، فإن الله قد يحيى المسافر والغازي مع تعرضهما لأسباب الهلاك، ويميت المقيم والقاعد وإن كانا تحت ظلال النعيم.

وقد أثر عن خالد بن الوليد أنه قال عند موته: ما فىّ موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وهأنذا أموت كما يموت العير (الحمار) فلا نامت أعين الجبناء.

(وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يخفى عليه شىء مما تكنّون فى أنفسكم من المعتقدات

<<  <  ج: ص:  >  >>