وهذا الضرب من الخلاف وهو تحكيم الرأى والهوى كان مصدر شقاء أمم كثيرة فهوت بعد رفعتها وذلت بعد عزتها، وضعفت بعد قوتها.
وقد حدث مثل هذا فى الفرق الإسلامية فى علم الكلام، فإن أبدى أحدهم رأيا فى مسألة بادر مخالفه إلى الرد عليه، وتفنيد مذهبه وتضليله، ويقابله الآخر بمثل صنيعه، ولو حاول كل منهما محادثة الآخر، والاطلاع على أدلته، ووزنها بميزان الإنصاف والحق لما حدث مثل هذا الخلاف، بل افتنع كل واحد منهما بما رأى مخالفه.
والمسلم ما دام محافظا على نصوص دينه لا يخل بواحد منها، مع احترامه لرسوله المفسر لكتابه لا يخرج من جماعة المسلمين لمخالفته سواه.
فإذا تحكم الرأى والهوى ولعن بعضهم بعضا، وكفر بعضهم بعضا، فقد باء بها من قالها كما ورد فى الحديث.
وكذلك الحال فى الاختلاف فى المعاملة فى المسائل السياسية والدينية، لا ينبغى أن يكون مفرقا بين جماعة المؤمنين، بل عليهم أن يرجعوا فى النزاع إلى حكم الله وآراء أولى العلم منهم، وبذلك نتقى غائلة الخلاف، ونكون فى وفاق، ونصير ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.