بعد أن ذكر سبحانه علامة أهل الكفر من طأطأة الرءوس خجلا وحياء مما صنعوا فى الدنيا، وذكر ما يلاقونه من العذاب المهين يوم القيامة- عطف على ذلك ذكر علامة أهل الإيمان من تذللهم لربهم، وتسبيحهم بحمده، ومحافاة جنوبهم للمضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، ثم أردفه ذكر ما يلاقونه من نعيم مقيم، وقرة أعين جزاء لهم على جميل أعمالهم، ومحاسن أقوالهم.
[الإيضاح]
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي ما يصدّق بحججنا وآيات كتابنا إلا الذين إذا وعظوا بها خروا لله سجدا، تذللا واستكانة لعظمته، وإقرارا بعبوديته، ونزهوه فى سجودهم عما لا يليق به، مما يصفه به أهل الكفر من الصاحبة والولد والشريك، يفعلون ذلك وهم لا يستكبرون عن طاعته، كما يفعل أهل الفسق والفجور حين يسمعونها، فإنهم يولون مستكبرين، كأن لم يسمعوها.
ثم ذكر بقية محاسن أعمالهم بقوله:
(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي يتنحون عن مضاجعهم التي يضطجعون فيها لمنامهم، فلا ينامون، داعين ربهم خوفا من سخطه وعذابه، وطمعا فى عفوه عنهم، وتفضله عليهم برحمته ومغفرته، ومما رزقناهم من المال ينفقون فى وجوه البر، ويؤدون حقوقه التي أوجبها عليهم فيه، قال أنس بن مالك:«نزلت فينا معاشر الأنصار، كنا نصلى المغرب، فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم» .
وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله:«تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ» قال: هى قيام العبد أول الليل.