بعد أن ذكر سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلّم كان فى محنة من قومه إذ كذبوه وتوعدوه حين حدثهم بالإسراء وشجرة الزقوم، وأنهم نازعوه وعاندوه واقترحوا عليه الآيات حسدا على ما آتاه الله من النبوة، وكبرا عن أن ينقادوا إلى الحق- بين أن هذا ليس ببدع من قومك، فقد لاقى كثير من الأنبياء من أهل زمانهم مثل ما لاقيت ألا ترى أن آدم عليه السلام كان فى محنة شديدة من إبليس، وأن الكبر والحسد هما اللذان حملاه على الخروج من الإيمان والدخول فى الكفر والحسد بليّة قديمة، ومحنة عظيمة للخلق
[الإيضاح]
ذكر سبحانه قصص آدم فى سبع سور: البقرة. الأعراف. الحجر. الإسراء.
الكهف، طه. ص. وقد تقدم الكلام فيها فيما سلف من تلك السور وها نحن أولاء نفسرها فى هذه السورة.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟) أي واذكر أيها الرسول لقومك عداوة إبليس لآدم وذريته، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم، فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له افتخارا عليه واحتقارا له، وقال أأسجد لمن خلقته من الطين، وأنا مخلوق من النار كما جاء فى الآية الأخرى:«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» فكفر بنسبة ربه إلى الجور بتخيله أنه أفضل من آدم من قبل أن الفروع ترجع إلى الأصول، وأن النار التي هى أصله أكرم من الطين الذي هو أصل آدم، وقد فاته أن الطين أنفع من النار ولئن سلم غير هذا فالأجسام كلها من جنس واحد، والله هو الذي أوجدها من العدم، ويفضّل بعضها على بعض بما يحدث فيها من الأعراض.