ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببا فى ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على كبره ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقاله بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.
[الإيضاح]
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) أي واذكر لقومك مذكّرا لهم بأيام الله خبر إبراهيم إذ قال: ربى المحسن إلىّ بإجابة دعائى، اجعل مكة بلدا آمنا.
وقد أجاب الله تعالى دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم، ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه كما قال:«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ»(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) أي وباعدنى وبنىّ من أن نعبد الأصنام، أي ثبتنا على ما نحن عليه من التوحيد وملة الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام.
وقد استجيب دعاؤه فى بعض بنيه دون بعض ولا ضير فى ذلك.
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أي يا رب إن الأصنام أزلن كثيرا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن وكفروا بك.
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك، وإخلاص العبادة لك والبعد عن عبادة الأوثان- فإنه مستنّ بسنتى وجار على طريقتى، ومن خالف أمرى فلم يقبل منى ما دعوته إليه وأشرك بك، فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بالتوبة عليه وهدايته إلى الصراط المستقيم.
(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) أي يا رب إنى أسكنت بعض ذريتى وهم أولاد إسماعيل بواد غير ذى زرع وهو وادي مكة عند بيتك الذي حرمت التعرض له والتهاون به وجعلت ما حوله حرما لمكانه.