ولكنه لا يبصر ما آتاك الله من نور الإيمان والخلق العظيم وأمارات الهدى والتزام الصدق.
(أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) أي إنك أيها الرسول الكريم كما لا تقدر على هداية العمى بدلائل البصر الحسية، لا تقدر على هدايتهم بالدلائل العقلية، ولو كانوا فاقدين لنعمة البصيرة التي تدركها.
وخلاصة ما تقدم- إن هداية الدين كهداية الحس لا تكون إلا للمستعدّ بهداية العقل، وإن هداية العقل لا تحصل إلا بتوجيه النفس وصحة القصد، وهؤلاء قد انصرفت نفوسهم عن استعمال عقولهم استعمالا نافعا فى الدلائل البصرية والسمعية لإدراك أىّ مطلب من المطالب الشريفة التي وراء شهواتهم وتقاليدهم.
(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) يراد بالظلم هنا المعنى الذي تدل عليه اللغة وهو نقص ما تقتضى الخلقة الكاملة وجوده كما فى قوله: «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً» أي إنه لم يكن من سنن الله تعالى فى خلقة أن ينقصهم شيئا من الأسباب التي يهتدون باستعمالها إلى ما فيه خيرهم من إدراكات وإرشاد إلى الحق بإرسال الرسل ونصب الأدلة التي توصلهم إلى سعادتهم فى الدنيا والآخرة.
(وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي إنهم يظلمون أنفسهم وحدها دون غيرها، لأن عقاب ظلمهم واقع عليها، فهم يجنون عليها بكفرهم بما أنعم الله عليهم من هدايات المشاعر والعقل والدين بعدم استعمالها فيما خلقت لأجله من اتباع الحق فى الاعتقاد والهدى فى الأعمال، وذلك هو الصراط المستقيم الموصل لسعادة الدارين.