ولا قطمير، ولا يهمل أمة تعدّت فى أعمالها حدود شرائعه القويمة، بل يأخذها بذنوبها أخذ العزيز المقتدر، كما يأخذ الراصد القائم على الطريق من يمر به بما يريد من خير أو شر، لا يفرّط فيما رصد له.
وقد أجمل الله فى هذه الآيات ما أوقعه بهذه الأمم من العذاب، وفصله فى غير موضع من كتابه الكريم، فقال فى سورة الحاقة:«فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً. فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ» وقال: «وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ. فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً» .
والحكمة فى تكرار القصص فى القرآن الكريم، وفى ذكر بعضها على طريق الإشارة فى بعض المواضع، وبالتفصيل فى بعض آخر- أنه قد يكون الغرض تارة إقامة الحجة على قدرته تعالى، وتوحده فى ملكه، وقهره لعباده حينا، وترقيق قلوب المخاطبين حينا آخر، وإنذار عباده وإعذارهم مرة ثالثة، ولا شك أن كل مقام من الكلام له لون منه من بسط أو إيجاز لا يكون لغيره.
وقد عرفت أن الغرض هنا تطييب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأن الله سيمهل الكافرين ولا يهملهم، وهو ليس بغافل عنهم، وحينئذ تدرك أن الإشارة إلى أن هذه الأمم أخذت وعذبت ولم تترك سدى- كافية جدّ الكفاية لمن فكر وتدبر.